أميركا والاتفاق النووي

أثناء الحملة الانتخابیة لرئاسة الولایات المتحدة أطلق المرشح الجمهوري دونالد ترامب مواقف حادة یقول فیها إن الاتفاق النووي الذي تم التواصل إلیه مع ایران سيء جدا واعدا بالعمل علی إلغائه.

 

نجح ترامب. والجمیع ینتظر ما الذی یرید فعله في هذا الموضوع . و قبل أن یصل ترامب إلی البيت الأبیض فی العشرین من کانون الثانی / ینایر 2017 کان الکونغرس الأمریکي یتخذ قرارا بتمدید العقوبات علی إیران لمدة عشر سنین. و هو ما خلق مناخا مقلقا من جراء انقلاب الإدارة الأمیرکیة علی اتفاق له صفة دولیة بعدما صادق علیه مجلس الأمن الدولي.

 

ما لم یتدخل البيت الأبیض برئاسة باراک أوباما قبل انتهاء ولایته ویعلق قرار الکونغرس الأمیرکي فإن الإدارة الأمیرکیة تکون ادخلت العلاقات الدولیة في مرحلة من الاستخفاف وعدم الإحترام والإلتزام ویخلق مناخا من الفوضی التي تؤثر سلباً علی الاستقرار الدولي.

 

إیران حذرت علی لسان کل المسؤولین فیها من نتائج ومخاطر الخطوة الامیرکیة وقالت إنها تشکل استفزازا وتعکس سوء نوایا الولایات المتحدة وهي التي کان المرشد الأعلی السید علی خامنئي یحذر منها حتی في ذروة الاعتقاد أن الملف النووي قد طوي باتفاقیة العام 2015.

 

لیس من السهولة الذهاب الی الاتفاق النووي سینهار. فالمفاوضات التي أدت إلیه استغرقت سنوات وهو لمصلحة کل الأطراف. إیران لترییح وضعها الاقتصادي والغرب لکسب استثمارات في ایران کما لمنع الأخیرة من امتلاک سلاح نووي. وبالتالي لیس من مصلحة أحد حتی الولایات المتحدة أن تنقض الاتفاق.

 

قرار الکونغرس یؤکد أنه لا فرق بین الدیموقراطیین والجمهوریین في النظرة إلی العلاقة مع إیران. الطرفان یریدان ضرب القدرات الإیرانیة العکسریة. ومن هذه الزاویة فإن ما فعله اوباما المعتدل الأکثر خطورة علی الواقع العربي والإسلامي عبر حروبه بالوکالة في ماسمي ب"الربیع العربي". لکن أیضا فإن أي اتفاق دولي او بین طرفین هو مرآة لموازین القوی. فإلی جانب ان لإیران حقا یکفله القانون الدولي لامتلاک طاقة نوویة سلمیة فإن إیران دولة إقلیمیة کبری لها مصالحها وتمتلک القدرة علی منع التعرض لهذه المصالح. ولم یکن الاتفاق النووي سوی اقتناع غربي ومنهم الولایات المتحدة بمراعاة هذه المصالح حتی لاتتعرض مصالحهم هم للضرر.

 

لذلک فإن إیران حریصة علی عدم مبادلة تمدید العقوبات الأمیرکیة علیها بخطوات تعرض الاتفاق للخطر. إذ إن الدیبلوماسیة الإیرانیة التي خاضت حروبا دیبلوماسیة شاقة علی مدی سنوات لن تبادر إلی التعامل وفق مبدأ انفعالي وردود فعل ارتجالیة علی مواقف الإدارة الأمیرکیة الجدیدة -القدیمة. ولاتزال إیران تراهن علی المواقف الأوروبیة المتفهمة والمدافعة عن الاتفاق النووي.

 

لکن في حال وصلت الأمور إلی مرحلة غیر مقبولة وغیر محتملة فإن إیران التي نجحت في الصمود سنوات و من ثم استحصلت علی حق بانتاج الطاقة النوویة لأغراض سلمیة والتي من حقها الإستفادة من رفع العقوبات الاقتصادیة عنها بعد توقیع الاتفاق، لن تکون مکبلة الإیدي في ان تبادر بدورها إلی قلب الطاولة علی الولایات المتحدة في اکثر من قضیة وساحة وعنوان وهذه ایضا کانت من عوامل إجبار الغرب علی توقیع الاتفاق النووي.

 

ایضا فی ظل المتغیرات الإقلیمیة والدولیة في سوریا والعراق والیمن والتحالف مع روسیا والصین، فإن إیران الیوم هي أقوی من أي وقت مضی. وبالتالي إن إعادة النظر في الاتفاق النووي لن یفضي في حال حصوله سوی إلی إتفاق آخر أکثر إیجابیة لمصلحة إیران.

 

هذا ما یفترض بالرئیس الأمیرکي الجدید أن یراه ویتخلی بالتالي عن الشعارات المتطرفة وغیر الواقعیة التي رفعها ضد ایران وفی أکثر من قضیة خارجیة أخری. وهذا یصب أیضا في مصلحة الولایات المتحدة التي تعاني داخلیاً وخارجیاً ولیست بحاجة لمزید من المعاناة.


الکاتب

سید حسین موسوي

الدکتور سید حسین موسوي رئیس مرکز الدراسات الإستراتیجیة للشرق الأوسط. الدکتور موسوي خبیر وباحث في شؤون الشرق الأوسط.