العرب والإدارة الأمیرکیة الجدیدة

لیس من الضرورة أبدا انتظار نتائج الانتخابات الرئاسیة الأمیرکیة في تشرین الثاني / نوفمبر 2016، بعد ولایتین من العام 2008 یودع الرئیس باراک اوباما لبیت الأبیض لیسلمه إلی رئیس جدید.

 

حکایة ابریق زیت الانتخابات الرئاسیة الأمیرکیة انتهت منذ زمان بعدما سبر العرب خصوصا أکبر عملیة تضلیل في تاریخهم في علاقاتهم مع الولایات المتحدة الأمیرکیة. وبعد انتهاء الحرب العالمیة الولی تولت بریطانیا ومعها فرنسا احتضان ورعایتة المشروع الصهیوني في فلسطین. مزید من استقدام المهاجرین الیهود ومزید من طرد الفلسطینیین من أرضهم ومنعهم من تقریر مصیرهم بأنفسهم.

 

بعد الحرب العالمیة الثانیة خرجت بریطانیا وفرنسا منتصرین في الحرب ضد ألمانیا وإیطالیا والیابان. لکنهما کانتا منهکتین. استلمت رایة النفوذ في المنطقة العربیة وفي العالم الولایات المتحدة حیث بدأت العصر الأمیرکی. وفي أولی مهام واشنطن حینهما هو تولید الکیان الاسرائیلی وتوفیر شروط سلامة ولادته. وکان ذلک في العام 1948.

 

علی امتداد سبعین عاما تلت تلک الخطیئة، لم تغییر سیاسات الإدارات الأمیرکیة المتعاقبة تجاه القضیة الفلسطینیة والقضایا العربیة عموما. رؤساء من الحزب الجمهوري ورؤساء من الحزب الدیموقراطي والنتیجة واحدة هي معاداة المصالح العربیة والفلسطینیة.

 

لانعفي هنا بعض العرب من مسؤولیاتهم في التفریط بالقضیة الفلسطینیة وعدم العمل علی مبادرات للضغط علی الولایات المتحدة الأمیرکیة. بل إن مبادرة السلام العربیة التي أقرها قبل عشر سنوات مؤتمر القمة العربیة في بیروت بلغ الذرورة في التعبیر عن العجز حیث أعطت القمة اسرائیل کل شيء مقابل السلام مع الفلسطینیین والعرب ومع ذلک رفضت اسرائیل ذلک لأن التاریخ یقف الی جانب القوة.

 

لقد تباینت أسالیب التعاطي مع القضایا العربیة من رئیس أمیرکي لآخر. البعض استخدم القوة العسکریة مثل الرئیس جورج بوش الأب في التعامل مع العراق في التسعینیات وکذالک فعل لاحقاً جورج بوش الإبن في غزو العراق عام 2003. وقد الحقت حروب العائلة بوش مع العرب أفدح الأضرار بالمصالح العربیة وتم تدمیر الکامل للدرات البشریة والعسکریة والنفطیة والاقتصادیة لأحد اکبر البلدان العربیة.

 

مع ذلک فإن مافعله الرئیس بیل کلینتون ومن بعده باراک أوباما لایقل خطرا وفداحة عما فعله بوش الأب وبوش الإبن حتی لانذهب أبعد الوراء.

 

في استکمال لأخطر ما فعله رئیس أمیرکی، جیمي کارتر، في إضعاف العرب، المتمثل في اتفاقیة کامب دافید وإخراج مصر من معادلة الصراع العربي – الاسرائیلی، فان ما فعله بیل کلینتون مع فلسطین کان الأخطر في تاریخ القضیة الفلسطینیة.

 

اتفاق أوسلة نظر إلیه البعض ومنهم یاسر عرفات علی أنه فرصة لاستعادة بعض الحقوق المغتصبة ووقف المسار الانحداري للقضیة الفلسطینیة. لکن تبین في التطبیق علی أنه کان مجرد محطة لإضعاف روح المقاومة وتجویف النضال الفلسطیني. ومنذ ذلک الوقت والشرطة الفلسطینیة في الضفة تحولت إلی حرس للإحتلال فیما وجدت المقاومة الفلسطینیة في غزة أسیرة البقعة الجغرافیة المحاصرة وعدم القدرة علی التاثیر الإیجابي في القضیة الفلسطینیة في الضفة الغربیة.

 

کان هذا محصلة الدیموقراطي بیل کلینتون. اما الدیموقراطي الآخر باراک اوباما فلا یمکن إلا ان نعترض علی توصیف إدارته بانها سلبیة وعاجزة ولاتملک قرار تجاه القضایا العربیة. لقد اتخذ أوباما قرار منذ اللحظة بعدم دخول الولایات المتحدة في حروب مباشرة کبیرة علی غرار أفغانستان والعراق. یمکن له ان یرسل خبراء او حتی جنودا او ضباط ولکن باعداد محدودة یمکن ان تکون حتی بضعة آلاف لکن لیس علی غرار الحروب المفتوحة. بذلک کان أوباما یوفر دم الأمیرکیین لیسقط في المقابل دم الآخرین.

 

 عدم تدخل امیرکا الحاسم في العراق بعد الانسحاب الأمیرکي منه کذلک عدم التدخل المباشر الکبیر في سوریا کان جزءا من لعبة أمیرکیة کبیرة. المخطط الأمیرکي والغربی هو تدمیر سوریا حجرا وبشرا. وهذا لا یکون إلا باستمرار الحرب بالوکالة عبر التنظیمات مسلحة هنا و هناک. وبقدر ما تستمر الحرب هناک والنزیف بقدر ما تکبر أفراح الإسرائیلیین الذین یحققون من خلال استمرار الحرب السوریة أحد أکبر نجاحاتهم.

 

ونجاح اوباما الأکبر کان تدمیر المنطقة العربیة من العراق وسوریا إلی لیبیا والیمن و من مصر إلی تونس وحیثما امکن للفتنة أن تصل في ما سمي ب "الربیع العربي".

 

کائنا من جاء إلی موقع الرئاسة الأمیرکیة فالکل یخدم استراتیجیة واحدة لا تخدم المصالح العربیة الحیویة ولاسیما قلبها أي القضیة الفلسطینیة. واحد یخدمها بالحروب وثان بأنصاف الحروب وثالث بحروب الوکالة ورابع بحروب اقتصادیة  وخامس بحروب الفتنة وسادس بحروب التکنولوجیا. والمهزوم واحد لایتغیر: العرب وقضایاهم.


الکاتب

سید حسین موسوي

الدکتور سید حسین موسوي رئیس مرکز الدراسات الإستراتیجیة للشرق الأوسط. الدکتور موسوي خبیر وباحث في شؤون الشرق الأوسط.